شيوعيون لبنانيون.. القصة الكاملة: من تعطل بوصلة القيادة الى زيارة دمشق
سلّطت عدد من وسائل الإعلام في الأيام القليلة الماضية الضوء على الزيارة التي قامت بها مجموعة من الشيوعيين في لبنان تحت مسمى “شيوعيون لبنانيون” الى العاصمة السورية دمشق، ولقائهم الأمين العام المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي هلال الهلال واعضاء القيادة.
وتباينت المواقف والتأويلات حول هدف الزيارة الى دمشق، بتوقيتها والرسالة السياسية التي حملتها في ظل التطورات السياسية، إضافةً للتباينات التي تركتها داخل الحزب الشيوعي التسعيني المنهك على كل المستويات.
خداج: نعمل كي نصوّب الوجهة
في هذا السياق يشرح أحد مؤسسي “شيوعيون لبنانيون” خالد خداج في حديث لـ”أحوال.ميديا” خلفيات هذه الزيارة، ويستهل حديثه موجهاً الشكر الى كل من تجاوب مع موقفهم ومبادرتهم من الشيوعيين، لافتاً الى ان مبادرتهم التي أطلقوها من شأنها أن تعيد الحزب الشيوعي الى الواجهة كحزب مقاوم، قتل وجرح المئات من جنود العدو الاسرائيلي والذي قام ب 1200 عملية ضد العدو باعتراف الاخير.
ويضيف:”لا غاية لنا على صعيد التنظيم الرسمي للوصول الى المناصب، ولا نتآمر على الحزب أو على الشيوعيين بل نعمل كي نصوّب الوجهة، فهناك كارثة حصلت وأمر خطير أن يصبح الحزب الشيوعي، الذي هو ابن المقاومة وحركة التحرر ومواجهة الامبريالية الاميركية، في موقع التخديم للاميركيين من خلال التعامل مع منظمات NGO’S والدول الحليفة للمشروع الاميركي، فهناك سرقة ليس فقط للحزب بل للفكر والايديولوجيا ولتاريخ شهداءنا، والخلاف لم يعد تكتيكياً بل أصبح عميقاً وبنيوياً بين تاريخ ومقررات مؤتمره وأنا أثناء وجودي في قيادة الحزب سابقاً ساهمت في صياغة مقررات المؤتمر، حيث أكدنا أن هناك مشروع خطير بدأ في المنطقة مع احتلال العراق ثم العدوان على سوريا وما سبقها من حرب تموز في لبنان والحرب على غزة، فالحزب على المستوى الرسمي يقر بوجود هذا المشروع، فما الذي يجري؟
ويلفت خداج الى أن فكرة الانطلاق بدأت مع لقاء مجموعة من كوادر وقياديين سابقين في الحزب الشيوعي اللبناني، وكان اجماع انه يجب القيام بخطوة ما، بعد استنفاذ الحوار، لا سيما بعد الجهود التي بُذلت من قبل بعض الرفاق كفاروق دحروج وسعدالله مزرعاني، وخالد حدادة الذين حاولوا تصويب الوضع، لكن لم يتم التجاوب معهم.
في المؤتمر الاخير للحزب تمّ اقصاء حتى من يصنفون كوسطيين بقوة التزوير وليس بالاكثرية، حيث لم تُعقد الاجتماعات بشكل نظامي ونصاب مكتمل، وتم تهريبها بشكل غير قانوني والبعض وصل الى المكتب السياسي بأسلوب التهريب.
ومن هنا كان العمل من أجل تاسيس حالة تسعى الى تظهير موقف يساري لبناني مغاير ومختلف عن اليسار الحالي.
ونحن في تقديرنا السياسي رأينا انه لم يعد هناك كيانية في العمل فكل أحداث المنطقة مترابطة، فكان القرار بالذهاب نحو تأسيس حركة تحرر عربي من نوع جديد، والعودة الى مناخات الستينات والسبعينات أيام جمال عبد الناصر وحافظ الأسد والمقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية، لانه لا يمكننا أن نسلم للاصطفافات الطائفية في منطقتنا حيث شاهدنا اكل الاكباد على الشاشات، فمخطط داعش كان خطر يستهدف سوريا والعراق ولبنان.
ويتابع “اننا ندرك حجم اللعبة وموازين القوى، كما أننا لسنا بموقع توجيه النصائح، فلا يوجد حزب سياسي بدون تحالفات، خصوصاً وأن الحركة الشيوعية العربية ضعفت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وبالتالي لم يكن الهدف إستعادة روح اليسار العربي والشيوعي اللبناني، بل اتخذنا القرار بالسعي لبناء حركة تحرر عربي تكون جزءا من مشروع المواجهة في المنطقة ونحن أسسنا لعلاقة جيدة مع المقاومة الاسلامية وسنحاول تعزيزها، كما كان القرار بالعلاقة مع القيادة السورية لأننا مقتنعون بالمواجهة التي تخوضها دمشق بمواجهة المشروع الاميركي، لان المعركة الاساسية حاليا تتمحور حول كسر الاحتلال الاميركي والصهيوني في المنطقة وهي أولوية حالياً، لأننا نواجه حرب وجودية على منطقتنا وشعبنا، وفي ظل هذا المشهد قام الاميركي بترتيب الداخل اللبناني لمواجهة المقاومة، فهل يعقل أن يكون الشيوعيون جزء من الكتلة بوجه المقاومة؟؟
ربما القاعدة لا تدرك ذلك، لكنهم عمليا يُخدِمون هذه الوجهة وانا اعلنت سابقا انه لمن المعيب ان يتحول الشيوعيون بتاريخهم وشهدائهم الى ديكور عند الاميركيين، تحت حجج مقاومة الاستبداد وهنا نسأل هل احتلال العراق ديمقراطية وهل تدمير الدول تعتبر ديمقراطية؟.
يارة دمشق
على صعيد زيارة “شيوعيون لبنانيون” الى دمشق ولقاء القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي وما رافق الزيارة من تسليط ضوء اعلامي يؤكد خداج ان “اللقاء مع الرفاق في قيادة حزب البعث وعلى رأسها الرفيق هلال الهلال تعتبر طبيعية ومتأخرة علماً اننا مولودين جُدد، وهنا نسأل لو لم تصمد سوريا ولولا دور الجيش العربي السوري والحلفاء في المقاومة والدول الحليفة لا سيما روسيا وايران اين كنا اصبحنا في لبنان؟
لا احد يمكنه ان يتصور كيف سيكون المشهد، ونحن هنأنا سوريا بعد انتصارها على اخطر مؤامرة عالمية من 83 دولة ومئات مليارات الدولارات وقوة عسكرية مجرمة ومتوحشة تقدر بمئات الاف المسلحين.
من هنا جاءت زيارتنا الى سوريا لاننا نؤمن بأنها الارض التي لا زالت تحتضن دولة وطنية، ففي الوقت الذي كان الاميركي يسعى الى نقل تجربة لبنان الطائفية الى سوريا والعراق وعندها كانت لتحصل حروب لا متناهية ببن الطوائف والمذاهب، ما يشكل خدمة لاسرائيل في سياق مشروع رابين بجعل اسرائيل مركز حكم ونصبح نحن أطراف فقيرة ومتقاتلة، وعليه تأتي زيارة سوريا في سياق طبيعي، خصوصًا وأننا لم نطلب شيئاً من سوريا، بل طالبنا سوريا بأن تدعم القوى الوطنية اللبنانية كي تلعب دورا الى جانب المقاومة، ونحن جزء في هذا المشروع كحركة تحرر عربي.
ويضيف خداج:” الزيارة الاولى لسوريا كانت ممتازة وسمعنا من القيادة ما كنا نتوقع سماعه في تأكيد دعم دمشق للقوى الوطنية واستعادة دورها على الساحة اللبنانية، وسوريا بقيادة الرئيس بشار الأسد لا تتآمر على لبنان كما يحاول بعض الاعلام تصوير الامور، ونحن نحترم هذه الدولة المنتصرة التي وقفت وحيدة الى جانب المقاومة العراقية بعد الغزو الاميركي، وسوريا التي وقفت مع المقاومة في حرب تموز، وهي أيضا التي دعمت فلسطين وفصائلها المقاومة وشعبها الذي يقاتل يومياً بوجه الاحتلال الاسرائيلي فلما لا نذهب الى سوريا؟
وعليه سنذهب الى سوريا ونقف معها وستقف إلى جانبنا، وهل يمكن ان ننسى وقوف سوريا وجيشها الى جانب الجيش اللبناني بمعركة تحرير الجرود من الارهاب، ولولا هذا التنسيق أين كانت ستذهب الامور؟
ويلفت خداج أنه “ربما حصل نوع من تشابه الاسماء في البيان الصادر عن قيادة حزب البعث في دمشق، حيث تم تسميتنا بالحزب الشيوعي اللبناني بدل شيوعيون لبنانيون ولكن تم تجاوز هذا الأمر الشكلي، خصوصاً واننا لسنا طامعين بالمناصب او بالصراع مع الاشخاص بل نؤسس لوجهة سياسية، وبعدها سنثبت ان شرعية الشيوعيين ليست تنظيمية بل سياسية، وليس الهدف من هو الامين العام واعضاء المكتب السياسي.
دعنا ننظر الى مشهد اميركا اللاتينية التي تنتفض بوجه الهيمنة الاميركية في انتصار للحركة اليسارية، بينما نرى بعض الشيوعيين في لبنان وبعض الدول العربية تخدعهم الثورات الملونة والاوتوبورية، ويرتكزون عليها للتغيير بظل الهيمنة الاميركية، في وقت نرى نجيب ميقاتي غير قادر على جلب قارورة غاز من مصر بسبب الفيتو الاميركي، وما حصل في الحزب الشيوعي ليس سهلاً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وخروجه من المقاومة، لكن هذا لا يعني معالجة ضعفنا بأسلوب خاطىء، فلا شيء يبرر ان نخدّم المشروع الاميركي بطريقة مباشرة او غير مباشرة.
من هذا المنطلق تأتي زيارتنا الى سوريا، وهنا لا بد ان نتوجه بالتحية الى الرئيس بشار الأسد، الذي قاد المواجهة بشجاعة وحنكة ومعه ذهبت سوريا نحو الانتصار بظل قيادته الواعية والحكيمة والثابتة، فنحن نعتز بعلاقتنا مع دمشق والقيادة السورية، وستليها علاقات مع مختلف القوى في لبنان والدول الحليفة وعلى رأسها قوى المقاومة ، كما سيكون هناك تواصل مع روسيا وباقي الدول الحليفة.
أما على صعيد المشهد السياسي في لبنان في ظل التطورات الاخيرة، يشير خداج الى “انهم يعتبرون أن ما سمي بثورة 17 تشرين كانت أكبر عملية تزوير في التاريخ، وقطع للطريق على قيام ثورة حقيقية على غرار ما نشهده في أميركا اللاتينية، ونحن هنا نؤكد أننا لا نقصد الناس الطيبين بكلامنا، وما حصل ان أبناء البرجوازية المدينية اللبنانية هبوا متوهمين انهم يستطيعون استعادة عافية النظام الذي يعتاشون منه، وبالتالي هذه ثورة مفبركة في أقبية السفارات الغربية، ونحن اكتشفنا ذلك منذ اليوم الثالث، في وقت كان هناك اناس مخدوعين ظنوا انهم ذاهبون نحو تغيير حقيقيي، بينما مسلوخة لبنان استنفذت كل عمليات الاحتيال في الاقتصاد، ونحن امام مشهد اقتصادي جديد حيث لا يمكن ان تعود الامور الى الوراء الى زمن الحريرية السياسية او المارونية السياسية، وفي اخر عشر سنوات كان البلد يعيش على الدين في فضيحة كبيرة، والناس اليوم تسأل عن اموالها، ونحن نسأل عن الاحزاب التي كانت تحضر الناس اننا في بلد عاجز بالموازنة والميزان التجاري، لذا هذا النظام لا يمكن ان يُستعاد.
واذ يستشهد خداج بخطاب السيد حسن نصرالله الاخير وحديثه عن العودة للاقتصاد المنتج، فإنه يدعو الى تكامل اقتصادي وعسكري عربي من اجل خلق منظومة متكاملة.
لا إمكانية لإعادة انتاج تسوية داخلية وانقاذ النظام الطائفي اللبناني، لأن هناك خلاف جذري بين اليمين اللبناني ونهج المقاومة، ونحن نعتبر اننا لا زلنا في قلب المواجهة ولا يظن البعض ان اقالة رياض سلامة ستنقذ البلد او انتخاب رئيس للجمهورية، فلبنان احد ميادين المواجهة، ونحن نرى ان هناك انتصارات عسكرية تحققت في سوريا وفلسطين والعراق ولبنان، وبالتالي جاء الاميركي بالحصار والتجويع لإجهاضها، لكنه لن يستطيع لأنه ببساطة يؤذي اصدقائه قبل خصومه، وهنا نسأل لماذا توجد ازمات في تونس ومصر وفي الدول العربية الغير نفطية، الا يدلل ذلك ان المشكلة في بنية هذه الدول وتبعيتها للغرب؟
وعليه يؤكد خداج أنه لا يمكن أن نكمل بالانظمة الليبرالية المتوحشة، ويسأل: أين قامت الثورات الملونة بالاصلاح؟
في مصر خرج الملايين الى الشارع لكن أين الاقتصاد المصري اليوم والاصلاحات رغم اكتشافات الغاز؟ في تونس والمغرب العربي الامر عينه،،،،
وبالتالي هذه الثورات مزيفة والمشروع الحقيقي عنوانه كسر الهيمنة الاميركية في سياق عالمي من حرب اوكرانيا الى المواجهة التي تخوضها ايران، الى المواجهة في الصين ودول اميركا اللاتينية، وبالتالي قيام دول مستقلة حقيقية يكون بكسر الهيمنة وهو عنوان اساسي للمرحلة المقبلة، والتي هي مرحلة اعادة تأسيس نخوض خلالها معركة سياسية عقائدية.
ويسأل خداج الشيوعيين “الا ترون ان ادواتنا الفكرية عادت حاجة لكل الدول؟ والدليل ما جرى في اليونان بعد الازمة حيث تم تشكيل حكومة ومجلس نواب يساري، فقام الالمان بدفع 85 مليار دولار لاسقاط الحكومة، ويضيف” مشروعنا حاضر ونحن بحاجة الى تجديد الوسائل، وربما حصل أخطاء سابقاً، ولكن لا يمكن ان نذهب للاميركي ونقول له ان الليبرالية هي الحل، فنحن نريد جبهة وطنية لبنانية، تشارك المقاومة في حمل عبء الهجمة التي تستهدف شعبنا، وعلينا مواجهة الاحتلال الاميركي، وليس وصاية، في لبنان. السفيرة الاميركية تتدخل في ادق التفاصيل فهناك سيطرة على المرجعيات الروحية والجيش والقوى الأمنية بطريقة او بأخرى، وبالتالي نحن ذاهبون الى المواجهة بظل وجود المقاومة، التي لا يمكن ان تتراجع وهي ستنتصر باعتراف الاسرائيلي،،،،.
عليه، يختم خالد خداج كلامه بدعوة “كافة الشيوعيين للانضمام الى روح وعقل “شيوعيون لبنانيون” لإعادة بناء المشروع اليساري العربي في لبنان، وبالتحالف مع قوى المقاومة في المنطقة.
يوسف الصايغ